يريفان في 6 مايو/أرمنبريس: نشر غييرمو ألتاريس- الصحفي المعروف والرئيس السابق للقسم الدولي في صحيفة El País الإسبانية اليومية مقالاً أكاديمياً في الصحيفة بعنوان “الإبادة الجماعية تُنكر لأسباب سياسية”، مشيراً إلى أن هناك أدلة وثائقية على الإبادة الجماعية الأرمنية أكثر من المحرقة اليهودية.
تقدم “أرمينبريس” الترجمة غير الرسمية للمقال:
“30 دولة فقط تسمى 1915 إبادة جماعية- جرائم قتل الأرمن التي بدأت في البداية رغم أن المؤرخين لا يترددون في استخدام هذا المصطلح-
عندما حدثت الإبادة الجماعية الأرمنية لم يكن مصطلح الإبادة الجماعية قد ظهر بعد. لكن هذه الجريمة ضد الإنسانية هي التي بشرت بعصر الإبادة الجماعية في أوائل القرن العشرين، مما دفع المحامي البولندي رافائيل ليمكين للبحث عن مصطلح جديد لوصف فظائع لم يسبق تسميتها- قتل جماعات عرقية أو دينية فقط من أجل أنهم كانوا موجودين.
ليست هذه هي المفارقة الوحيدة المتعلقة بعام 1915-1918 حيث جرى تخطيط وإبادة وترحيل ما يصل ل1.5 مليون من الأرمن في الإمبراطورية العثمانية. المؤرخون الأحرار مقتنعون أكثر من أن الأمر يتعلق بالإبادة الجماعية، لكن لم تعترف بها سوى 30 دولة وكان آخرها الولايات المتحدة الأسبوع الماضي. إسبانيا لم تفعل ذلك بعد! بل إن تركيا تعتبر استخدام هذا المصطلح بموجب المادة 301 من القانون الجنائي جريمة وتعمّم ذلك على عمليات القتل في سياق الحرب العالمية الأولى.
“الإبادة الجماعية للأرمن حقيقة ثابتة في الأوساط الأكاديمية” -يشرح تانير أكجام، المؤرخ التركي المعروف والباحث في الإبادة الجماعية والأستاذ بجامعة كلارك بالولايات المتحدة. تانير أكجام، الذي اعتبرته صحيفة نيويورك تايمز أنه شيرلوك هولمز عن الإبادة الجماعية الأرمنية وقد كرّس حياته المهنية بأكملها للبحث عن الأدلة ونشرها (أن قتل الأرمن لم يكن مذابح غير منظمة أو مفاجئة بل سياسة دولة انتهجه الشباب الأتراك الذين تولوا السلطة عام 1908 وبقوا حتى عام 1918 عندما انهارت الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. في تاريخ الإمبراطورية العثمانية كان العنف ضد الأرمن-المسيحيون بشكل عام منتطماً -قتل 200000 أرمني في 1894-1896-، ولكن حتى ذلك الحين لم يكن أحد قد حدد هدف الإبادة الكاملة” ويقول أكجام: “حتى الإدارة الأمريكية والكونغرس والموظفين ليس لديهم شك في أن ما حدث للأرمن يمكن وصفه بأنه إبادة جماعية. كان مخططاً ويمكنني أن أقول بسهولة أن هناك أدلة وثائقية على الإبادة الجماعية للأرمن أكثر من المحرقة. لدينا العديد من البرقيات المعتمدة التي تظهر بوضوح نية الإبادة الجماعية للسلطات العثمانية”.
في كتاب مثل “الفعل المخزي” عن الإبادة الجماعية الأرمنية ومسألة المسؤولية التركية أو أوامر القتل يُذكر برقيات طلعت باشا والإبادة الجماعية الأرمنية، حيث أكجام يكشف عن برقيات وزير داخلة تركيا الفتية طلعت باشا (الذي اغتاله مناصل أرمني في 1921)المشفرة والتي لا تدع مجالاً للشك في نواياه، لسنوات إدّعت الحكومة التركية أنها مزيفة، لكن بعد عمله الاستخباري أثبت أكجام أنها حقيقية وبحسب أحدهم في سنة 1915 بسبتمبر مع بداية المجازر أمر طلعت باشا بما يلي: “قرّرت الحكومة إبادة جميع الأرمن الذين يعيشون في تركيا وليس إنقاذ النساء أو الأطفال أو المرضى. بغض النظر عن مدى مأساوية أساليب التدمير هذه يجب أن ننهي وجودها دون الاستماع إلى ضميرنا”، على الرغم من تدمير النسخ الأصلية عثر أكجام على صور البرقيات في نيويورك في عام 2015.
هناك حقائق واضحة تقول إنه قبل الهولوكوست التي قُتل خلالها 6 ملايين شخص لاحظ النازيون ما حدث في تركيا عند خطّتهم لإبادة يهود أوروبا، في 1939 قال بنيامين كارتر هيت- المؤرخ الأمريكي ومؤلف كتاب The Death of Democracy وهو كتاب عن صعود هتلر إلى السلطة: “في 22 أغسطس خاطب هتلر جنرالاته بشأن الحرب الوشيكة مع بولندا” وبحسب أحدهم قال هتلر: “بعد ذلك من يتذكر إبادة الأرمن؟” التفسيران الآخران لا يحتويان على هذه الكلمات”، حقيقة أن هذا قد تمّ تداوله من قبل صحيفة نيويورك تايمز في عام 1945 يدل على وجود صلة بين مذابح الأرمن واليهود منذ الأربعينيات.
يوضح خوسيه ريكاردو دي برادا أحد خبراء إسبانيا البارزين في مجال العدالة الدولية: “لقد كان لذلك تأثير كبير على ليمكين”، سامانثا باور، التي شغلت منصب سفيرة الأمم المتحدة في عهد الرئيس باراك أوباما عام 2002 وحصلت على جائزة بوليتسر عن كتابها “مشكلة من الجحيم. أمريكا وعصر الإبادة الجماعية”، تروي كيف جادل ليمكين، وهو طالب في لفوف، مع أستاذ برّر مذابح الأرمن بحجة أنه في النهاية يحق لكل حكومة أن تفعل لمواطنيها ما تريد، بما في ذلك قتلهم، مثل صاحب المزرعة الذي له الحق في أن يقتل دجاجاته”، وبسبب هذا الجدل ظهرت فكرة أنه يجب أن تكون هناك قوانين فوق الدول من شأنها معاقبة هذه الجرائم.
وقال تانير أكجام عندما سئُل عن مقارنة الجريمتين ضد الإنسانية: “خلال الإبادة الجماعية الأرمنية لم يكن هناك أحد مثل هتلر” وأضاف: “المذبحة كانت بقرار من حزب سياسي ونفذه حزب سياسي- الاتحاد والتقرقي، وهذا هو أحد الاختلافات الرئيسية بين الهولوكوست و الإبادة الجماعية الأرمنية، الاختلاف الآخر أن تركيا الفتاة لم تكن لديها الأيديولوجية العنصرية التي كان لدى النازيين- بالطبع كانوا قوميين، لكنهم اتخذوا قراراً بارتكاب إبادة جماعية لأنهم اعتقدوا أن وجود الأرمن يشكل تهديداً للإمبراطورية واعتقدوا أن قتل الأرمن يمكن أن يبطل هذا التهديد”.
ورافقت الإبادة الجماعية عمليات ترحيل جماعية إلى صحراء سوريا وهي أكثر المذابح وحشية وكان تطهيراً عرقياً شاملاً.
لم تحقق المحرقة ولا الإبادة الجماعية الأرمنية هدفهما النهائي وهو القضاء على اليهود والأرمن من على وجه الأرض، لكن نعم لقد تمكّنوا من تدمير الثقافات الألفية ليهود أوروبا الشرقية وأرمن الأناضول. مثل أوشفيتز دير الزور هو معسكر صحراوي سوري- حيث مات عشرات الآلاف من الأرمن جوعاً حتى الموت. المقابر اليهودية والمعابد البولندية المنسية أو أنقاض العاصمة الأرمنية آني من العصور الوسطى بيد السلطات التركية الوليدة، تذكرنا برعب القرن العشرين”.