مقدمة
دخل الأتراك حاضرة الخلافة العباسية في أيام المعتصم بالله الذي كانت أمه تركية الأصل و إعتمد عليهم في تقوية جيشه، فعاثوا في بغداد الخراب و كثُرت شكاوي أهل العاصمة من عنف الجنود الترك و بَغْيِهِم، مما أضطر المعتصم أن يبني عاصمة جديدة، سامراء، و نقل الجيش اليها. و بعد وفاة المعتصم بالله في 18 ربيع الأول 227 هجرية-829 ميلادية خلفه إبنه الواثق بالله هارون الذي أعطى لوزيره التركي أشناس علامات الإمارة، تاجاً و وشاحين، فابتدأ توافد قبائل الترك الى بلاد العراق و دخولهم في الوظائف العالية، و خاصة الجندية، الأمر الذي أوجب تدخلهم في أمور الخلافة و استيلاءهم على السلطة الفعلية.
و مع تتابع السنين وصلت الموجات الهمجية من سهوب آسيا الوسطى حين غزت الأقوام المغولية و التتارية مثل السلاجقة في 422 هجرية-1024 ميلادية، و هم من قبائل الترك من بلاد كشغر في غرب الصين، فوصلت مناطق ما وراء القفقاس نزولاً نحو الشرق الأوسط، ثم تبعتها قبائل أُخرى. و أسّست هذه الأقوام دويلاتها مثل دولة آل سلجوق في 447 هجرية-1049 ميلادية بقيادة طغرل بك.
و جاءت الضربة القاضية على يد هولاكو، حفيد جنكيز خان، حين وصل تفكك العرب و تفتتهم الى أعلى مرحلة من مراحل التشرذم فسقطت بغداد عاصمة الدولة العباسية في 656 هجرية-1258 ميلادية. و حكم فيها الإيلخانيون أخلاف هولاكو مدة 82 عاماً من 656 – 738 هجرية (1258-1338 ميلادية)، ثم عقبهم الجلايريون، فلم يمضِ على ذلك أكثر من 57 عاماً حتى احتل تيمورلنك المدينة في سنة 795 هجرية-1392 ميلادية. استعاد الجلايريون الحكم سنة 797 هجرية-1394 ميلادية، ثم عاد تيمورلنك للمرة الثانية في 803 هجرية-1400 ميلادية، و عاد الجلايريون في سنة 808 هجرية-1405 ميلادية. و في 814 هجرية-1411 ميلادية حلّت محلهم أسرة تركمانية تسمى قره قوينلو (الخروف الأسود) ثم أجلتها عن بغداد في سنة 874 هجرية-1469 ميلادية أسرة تركمانية أخرى تسمى آق قوينلو (الخروف الأبيض). ثم جاء الصفويون و الأكراد الى أن أحتلها السلطان مراد الرابع في 18 شعبان 1048 هجرية-1638 ميلادية. و كان العثمانيون أسسوا دولتهم في 699 هجرية-1300 ميلادية إذ كانت أقوى تلك القبائل فشقّت طريقها نحو القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية و أسقطتها في 20 جمادي الأول 857 هجرية-29 أيار 1453 ميلادية باسطة نفوذها بعدئذ على أجزاء واسعة من الكرة الأرضية فأصبحت المنطقة العربية مجبرة أن ترزح تحت نير الأتراك.
النبيذ و الجرّة
بدأت بوادر البعث التحرري العربي العسكري في بداية القرن العشرين حين أنتفض الحسين بن علي، شريف مكة و أميرها، و أطلق الرصاصة الأولى إيذاناً ببدء الثورة العربية ضد الإستعمار التركي، و لكنه، رحمه الله، أخطأ في حساباته حين استمع الى معسول الكلام الإنكليزي، فتم طرد الأتراك بالفعل من المنطقة و لكن أستُبدِل الإستعمار التركي بآخرٍ إنكليزي…
و منذ سقوط الدولة العثمانية إكتسبت العلاقات العربية-التركية بُعداً أكبر من التضارب. فقد تأسست دولٌ عربية متعددة في المنطقة قاسمهم المشترك القومية العربية و الدين الإسلامي. أمّا في تركيا نفسها، وريثة الدولة العثمانية، فقد ظهرت الى الوجود جمهورية مصطفى كمال التركية العلمانية التي، و منذ الساعات الأولى لولادتها، إنتهجت خطاً مضاداً لكل ما هو عربي و مسلم… حاربت الحضارة العربية و الدين الإسلامي مبتدأة بنبذ الحروف الأبجدية العربية و مستعيضة عنها بالحروف اللاتينية، و حاولت الحكومات التركية المتعاقبة، بغضِ النظر عن توجهاتها الدينية و السياسية، أن تعتبر تركيا دولة أوروبية و تنزع عنها الثوب الشرقي.
و زادت التناقضات العربية-التركية حِدّة في السنوات التي تلتِ الحرب العالمية الثانية حين سُمِعَت من أقطارٍ عربيةٍ معينة همسَ نداءاتٍ تارةً أو جَهْوَرَ الصوتِ أحياناً بإحياء الخلافة الإسلامية و بثوبٍ عربي…و ليس تركي، و أن تكون مكة أو المدينة أو حتى أيّ عاصمة عربية عاصمةَ الخلافة. و كانت هذه في الواقع دعوة لإقامةِ وحدةٍ عربيةٍ شاملةٍ. لم تَرُقْ هذه الفكرة غرب أوروبا، موطن الإستعمار القديم، و خاصة إنكلترا. و في 1946 و بمباركة تركيا جاء الى الوجود مشروع إنكليزي جديد ينادي ببعث الدولة العثمانية، و لكن بثوبٍ جديد، على أن ينضمَّ اليها عدد من الدول العربية، و تكون بعيدةً عن أيِّ توجُّهٍ قومي، لبناء سدٍّ عربيٍّ-إسلامي ضد التغلغل الشيوعي السوفييتي نحو الشرق الأوسط.
كانت هناك قوى إقليمية و دولية تعمل في الخفاء و تحلم ببعث الدولة العثمانية الزائلة…أي “بوضع النبيذ الجديد في جرّةٍ قديمة” كما يقول المثل.
الدور الأمريكي
كتب جورج فيلدنك إليوت، المراسل العسكري و البحري لصحيفة “نيويورك هيرالد تريبيون”، مقالة مهمة في عدد الجريدة الصادر في 7 تشرين الأول/أوكتوبر 1946: “ان مصلحتنا الرئيسة و المباشرة موجودة في منطقة الشرق الأوسط التي تُعَدُّ منطقة عسكرية و استراتيجية. توجد في تلك المنطقة تركيا، العراق، سوريا، فلسطين، مصر، ايران و غيرها من الدول المجاورة. تعتبر المنطقة جسراً تاريخياً يربط الأجزاء الثلاثة من العالم القديم، أوروبا، آسيا و أفريقيا. كان هدف الأباطرة القدماء العبور من تلك المنطقة ليتسنى لهم المرور من هذا البَرالى ذاك.”
و يستمر إليوت:”لم تكن في الأمر صدفة عندما حارب نابليون من أجل مصر و سوريا. و لم تكن مجرد صدفة أيضاً عندما حاولت المانيا الهوهنزولرنية أن تعبر الى سوريا و فلسطين عن طريق تركيا. و لم تكن صدفة أيضاً عندما حاول هتلر في أحلك أيام الحرب العالمية الثانية أن يأخذ تلك المنطقة في كمّاشة مهاجماً في الوقت نفسه القفقاس و أفريقيا الشمالية لتلتقي قواته ثانية في الشرق الأوسط، و لكن سُحِقَتْ هذه القوات في ستالينكراد و العلمين.”
يضيف جورج أليوت عن سياسة بريطانيا العظمى منذ القدم فيقول: “لقد بذلت الأمبراطورية البريطانية جهدها لحماية الدولة العثمانية، ليس لأن الإنكليز يحبون الأتراك و الأنظمة التركية، بل لأن الدولة العثمانية تشكِّلُ جسراً برياً لا يستطيع أيّ فاتحٍ أو غازٍ عبوره.”
و يستمر جورج أليوت في تصريحه موضِّحاً السياسة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، أي في 1946:
“هناك فراغ في الشرق الأوسط…من الممكن ملئ ذلك الفراغ بشعبٍ يعيش هناك و يتحمّل المسؤولية، أو السماح بمجئ دولة من الخارج تحتل تلك المنطقة و تسلِّط ضغطاً عليها. لقد جرِّبَ البريطانيون الأسلوب الأخير بين الحربين العالميتين. ليس بمقدورهم أن يتحمّلوا هذا الحِمل لوحدهم الآن، و نحن لا نستطيع أن نكون مناصرين لإستعمارٍ قديم…”
و بدورنا نسأل إليوت، فما العمل إذن…؟
و يستمر في تصريحه كناطق شبه رسمي بإسم السياسة الأمريكية آنئذٍ: “هناك حلٌّ آخرٌ محتمل…إعادة بعث الدولة العثمانية بشكل جديد و بمبادئ جديدة كلياً…مستندة على مبادئ حقوق الإنسان و قوية بصداقة دول الشرق الأوسط.” (جريدة “هايرينيك” 11 تشرين الأول 1946).
قبل أكثر من ست عقود كان العمل يجري على قدم و ساق في هذا الإتجاه لتأسيس حلفٍ جديدٍ و قوي من الشعوب “بمبادئ جديدة” و مُرسَّخة على “حقوق الإنسان و المواطن” و برئاسة تركيا. و تم ترشيح، أو بالأحرى، تعيين تركيا، مصر، لبنان، سوريا، العراق، فلسطين، شرق الأردن و المملكة العربية السعودية كدولٍ مكوِّنة لهذا الحلف، و هو عالمٌ شاسع يُشغِلُ 5.5 مليون كيلومتر مربع و كان يحوي ضمن حدوده آنذاك 50 مليوناً من البشر، إذ كان 33 مليوناً منهم من العرب لهم صلات مختلفة مع بعضهم، و أمّا البقية فأتراك و قوميات صغيرة متفرقة.
لإكمال المشروع، قامت الأعمال الآتية في ذلك الإتجاه. عُقِدَتْ في 22 آذار/مارس 1946 المعاهدة البريطانية-شرق الأردنية (و أصبحت شرق الأردن بهذه المعاهدة دولة كاملة السيادة)، و في 29 آذار /مارس 1946 عُقِدَت معاهدة صداقة و حسن جوار العراقية-التركية، و في 10 تشرين الثاني/نوفمبر 1946 عُقِدَتِ المعاهدة العراقية-شرق الأردنية. و أمّا في 11 كانون الثاني/يناير 1947 عُقِدَ الحلف التركي-شرق الأردني.
كانت تركيا مركز استقطاب تلك المعاهدات لأنها كانت القوة الأسلسية في الشرقين الأدنى و الأوسط آنذاك لموقعها الجغرافي المهم في صدِّ الأطماع السوفييتية في المنطقة.
أصداء الأحداث
كتب الأديب الدكتور طه حسين، و كان يشغل في 1946 منصب رئيس قسم الآداب في جامعة القاهرة، يقول بألم:
“يتبيّنُ من الوضع السياسي كأن انكلترا تريد إعادة خلق الدولة العثمانية القديمة” (أنظر دكتور طه حسين-“بريطانيا العظمى، تركيا و العالم العربي” جريدة “آريفيلك”، حلب، 10 تشرين الثاني/نوفمبر 1946).
و في عددها الصادر في 27 كانون الثاني/يناير 1947 نشرت “نيويورك هيرالد تريبيون” مقالة وسَّعَتْ فيها مفاهيم الفكرة الآنفة الذكر:
” يمرُّ خط التحصينات العسكرية الأنكليزية من جنوب ايران نحو العراق، سوريا، لبنان، فلسطين، مصر و اليونان لحماية الخليج العربي و الشرق الأوسط و حوض البحر الأبيض المتوسط الشرقي و كذلك تركيا بموقعها الحالي. يمثِّل هذا الخط السور الحقيقي للأستراتيجية الإنكليزية حيث يشمخ كبناء أساس لحماية الشرق الأوسط.”
أمّا تركيا فقد كانت على أهبّة الاستعداد للنزول الى ساحة القتال من جديد.
فقد كتبت جريدة “La Turquie” في عددها الصادر في 7 تشرين الثاني/نوفمبر 1946 عن ضرورة تجمُّع العالم الأسلامي: “من الطبيعي أن تركيا هي التي ستقود هذه الحركة، و أن نفوذها سيمتد ليصل الى تلك الحدود التي كانت الدولة العثمانية قد وصلتها في القرن الثامن عشر (ما عدا البلقان). و بفضل كل هذا سنأخذ بين أيدينا من جديد زمام الأمور في إحدى المناطق الواسعة و الغنية في هذا العالم.”
كان هذا هو حلم تركيا الجديدة، خليفة الدولة العثمانية السيئة الصيت.
و على خطى زميلتها شهدت “تصوير” في عددها في 8 كانون الثاني/يناير 1947: ” لا يوجد أي عائق يمنع تجمُّع الدول العربية و تركيا سياسياً وأقتصادياً في إتحادٍ له أهمية للعالم الإسلامي و لنا.”
و صرّح الملك عبدالله، ملك شرق الأردن آنذاك، برسمه حدود ذلك العالم المتحد الجديد في صدى ناقلٍ لصوت المُلَقِّنِ قائلاً، و كأن والده الشريف الحسين بن علي لم يكن أول من أطلق الرصاصة الأولى للثورة العربية ضد الحكم التركي قبل ثلاثين سنة من ذلك التاريخ: “ستدخل في تجمُّع الشرق الأدنى كل من أفغانستان، ايران، تركيا، العراق، سوريا، شرق الأردن و لبنان.”
و أضاف في الوقت نفسه: “بسبب بعض الظروف الخاصة لا تدخل المملكة العربية السعودية و مصر في هذا التجمُّع.”
و قد ردَّت جريدة “La Republique” التركية في عددها الصادر في 26 كانون الأول/ديسمبر 1946 على تصريح الملك عبدالله بما يلي: “إذا عاندت مصر و المملكة العربية السعودية للدخول في الحلف الدفاعي تكونان قد ارتكبتا خطأ جسيماً.”
هذا، و قد نظرت الصحافة السوفييتية للأمور عبر المنظار السياسي نفسه، فكتبت “برافدا” تقول:
“أُطلق مؤخراً نداء من أنقرة لخلق “إتحاد” من الدول العربية برئاسة تركيا غير العربية.” و حلّلت الجريدة هدف أنقرة: “بعث الدولة العثمانية بشكل جديد.”
و علّقت موسكو على لسان أحد كتّابها: “تدرس الصحافة العربية و تدقق أكثر و أكثر في المحاولات الدبلوماسية التركية لخلقِ حلفٍ من الدول العربية برئاسة تركيا غير العربية.” (“برافدا” 21 كانون الأول/ديسمبر 1946).
و في 12 كانون الثاني/يناير 1947 أبرقت وكالة “أ ف ب”من أنقرة: “تتقدم تركيا نحو الدول العربية ببطء و لكن بثقة. لم يحن الأوان بعد لتحليل الوضع تحليلاً سياسياً ذكياً.” (جريدة “هوسابير”، القاهرة، 13 كانون الثاني/يناير 1947).
نعم، كانت تركيا تتقدم آنذاك ببطء نحو الدول العربية و لكن بثقة عالية بالنفس و بالذين كانوا يدفعونها لإتخاذ تلك الخطوة. و لكن مع تنامي الوعي القومي العربي في سنوات الخمسينيات من القرن الماضي و اختفاء عدد من الحكومات العربية السائرة في فلك الغرب، وعى بعض العرب عن عدم جدوى الأرتماء في أحضان الحرملك التركي، فقُبِرَتْ فكرة خلق الدولة العثمانية الجديدة بقيادة تركيا غير العربية و بإنتسابٍ عربي الى غير رجعة…
و أمّا الآن، و بعد أكثر من ستين سنة على طرح المشروع الخائب في أعلاه، لا زالت تركيا تحلم في إعادة الحياة الى الدولة العثمانية المقبورة و بعثها. و لتحقيق حلمها التوسعي لجأت الى إنشاء أحلاف أستراتيجية في المنطقة معتمدة على تخلخل توازن القوى بإنهيار الإتحاد السوفييتي و اختفائه من الساحتين الإقليمية و الدوليةعلى الرغم من ان الدب الروسي لا زال متربصاً بها، و خروج العراق كقوة اقليمية من المنطقة. تستخدم تركيا في هذا المجال الترغيب حيناً و التهديد المبطن أحياناً أُخر، ملوِّحةً دائماً بنقطة الضعف المشتركة لدولتين عربيتين لهما وزنهما في الشرق الأوسط، ألا وهي المسألة المائية، متناسية في الوقت نفسه مشاكلها في المسألة الكردية في جنوب البلاد التى تنخر عظامها بشكل مستمر.
خاتمة
إن مسألة الحفاظ على الكيان التركي، إنْ كان ذلك الكيان متمثلاً ب”رجل أوروبا المريض” قبل أكثر من قرن، أو بتركيا المعاصرة، مسألة حسّاسة جداً و متعلِّقة بالوجود الروسي في المنطقة. ليس مهمّاً لون الثوب الذي يرتديه الدب الروسي، إن كان أبيضاً في أيام القياصرة، فتغيَّر الى الأحمر في أيام البلاشفة، ثم ابيضَّ ثانية في أيامنا هذه. فلا زالت روسيا هي نفسها…و على الرغم من نوائبها السياسية و الاقتصادية كافة في الوقت الحاضر، لا زالت تشكِّل ثقلاً في المنطقة، تراودها أحلام القياصرة و السوفييت على السواء بنزول سفنها الى مياه البحر الأبيض المتوسط الدافئة على الرغم من قرب المسافات بسبب التقدم العلمي و التقني.
لقد وقفت أوروبا منذ عهد بطرس الأكبر وقفة رجلٍ واحدٍ أمام روسيا، على الرغم من كل الخلافات السياسية و المذهبية التي كانت تفَرِّق أوروبا، لمنعها من الوصول الى اسطنبول (القسطنطينية) و مضائق البوسفور و الدردنيل، و بفضل دهاء اللورد بيكنسفيلد (دزرائيلي) و غيره من ساسة انكلترا و أوروبا، حافظت أوروبا على حياة “الرجل المريض” من التدهور لأن التركة لم تكن مقسومة على الورثة بعد. ففي تلك الأثناء كان يهمُّ بريطانيا العظمى منع نزول الروس نحو الجنوب و إبعادها عن خطوط المواصلات المؤدِّية الى الهند، دُرَّة التاج البريطاني آنذاك.
و بعد زوال الدولة العثمانية بعد الحرب العظمى (العالمية الأولى) تقاسم “الورثة” التركة من الممتلكات العثمانية بموجب إتفاقية سايكس-بيكو التي وُقِّعَتْ قبل إنتهاء الحرب، ثم خلقت أوروبا نفسها الدولة التركية الحديثة بشخص مصطفى كمال للوقوف أمام المد الشيوعي في أوج عنفوانه الأستعماري أنذاك. و كان هذا الموقف الغربي من روسيا ينبع من حقيقتين، أولاهما، اقتصادية، منع روسيا من الوصول الى نفط العراق في الموصل ثم الوصول الى الخليج لقطع طريق بريطانيا نحو الهند، و ثانيتهما، سياسية-فكرية، منع تغلغل الفكر الشيوعي في المنطقة العربية و الشرق الأوسط. فأصبحت تركيا، على الرغم من أشكال الحكومات التي تعاقبت على حكمها مدللة الغرب ضد الأطماع الروسية.
نستنتج مما جاء في أعلاه أن العنجهية التركية سوف تستمر و لن تنتهي أبداً ما دامت أوروبا، ثم الولايات المتحدة الأمريكية، نصبت تركيا حاجزاً أمام أي امتداد روسي نحو الجنوب، و كان الله في عون شعوب الشرق الأوسط التي وقعتْ في مهبِّ ريح الكبار…
آرا دمبكجيان
المصادر:
1- عبد الرزاق الحسني-“تأريخ الوزارات العراقية”، الجزء السابع، 1988، بغداد.
2- محمود فريد بك المحامي- “تاريخ الدولة العلية العثمانية” 1971.
3- فاهان نافاسارتيان- “المضائق: البوسفور و الدردنيل”، 1947، باريس.